فصل: ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً}.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نواسخ القرآن



.ذِكْرُ الآيَةِ الْخَامِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ}.

زَعَمَ بَعْضُهُمْ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ وَلَيْسَ هَذَا صَحِيحًا، فَإِنَّ الأَمْرَ بِقِتَالِهِمْ لا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ، وَعَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا، وَمَتَى لَمْ يَقَعِ التَّنَافِي بَيْنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ لَمْ يكن نسخ.

.ذِكْرُ الآيَةِ السَّادِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}.

اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الآيَةِ، فَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا عفان، قال: بنا أبو عوانة، قال: بنا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: هَذِهِ الآيَةُ مِمَّا تَهَاوَنَ النَّاسُ بِهِ {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وَمَا نُسِخَتْ قَطُّ.
قَالَ أَحْمَدُ: وبنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} قَالَ: لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً، وَهَذَا قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَجَابِرِ بْنِ زيد.
فقد أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أبنا عمر، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا هشيم، قال: بنا شعبة عن دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ ابن المسيب، قال: هذه الآية منسوخة. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ مَعْنَى الآيَةِ: {وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنْكُمُ} أَيْ: مِنَ الأَحْرَارِ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا، أَيْ: فِي جَمِيعِ الأَوْقَاتِ فِي الدُّخُولِ عَلَيْكُمْ {كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يَعْنِي: كَمَا اسْتَأْذَنَ الأَحْرَارُ الْكِبَارُ الَّذِينَ بَلَغُوا قَبْلَهُمْ، فَالْبَالِغُ يَسْتَأْذِنُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَالطِّفْلُ وَالْمَمْلُوكُ يستأذنان في العورات الثلاث.

.ذِكْرُ الآيَةِ السَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ}.

هَذِهِ الآيَةُ كُلُّهَا مُحْكَمَةٌ، وَالْحَرَجُ الْمَرْفُوعُ عَنْ أَهْلِ الضُّرِّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ يَقُولُ: المعنى: ليس عليكم في مواكلتكم حَرَجٌ، لِأَنَّ الْقَوْمَ تَحَرَّجُوا وَقَالُوا: الأَعْمَى لا يُبْصِرُ مَوْضِعَ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ، وَالْمَرِيضُ لا يَسْتَوْفِي الطَّعَامَ، فكيف نواكلهم وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: بَلْ كَانُوا يَضَعُونَ مَفَاتِحَهُمْ إِذَا غَزَوْا عِنْدَ أَهْلِ الضُّرِّ وَيَأْمُرُونَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا فَيَتَوَرَّعُ أُولَئِكَ عَنِ الأَكْلِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآية.
وَأَمَّا الْبُيُوتُ الْمَذْكُورَةُ فَيُبَاحُ لِلْإِنْسَانِ الأَكْلُ مِنْهَا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِبَذْلِ أهلها الطعام لأهلهم، وَكُلُّ ذَلِكَ مُحْكَمٌ، وَقَدْ زَعَمَ بعضهم: أنها منسوخة بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} وليس هذا بقول فقيه.

.بَابُ: ذِكْرِ الْآيَاتِ اللَّوَاتِي ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً}.

زعم الكلبي أنه مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: أَفَأَنْتَ تَكُونُ حَفِيظًا عَلَيْهِ تَحْفَظُهُ مِنِ اتِّبَاعِ هَوَاهُ؛ فَلَيْسَ لِلنَّسْخِ وَجْهٌ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً}.

قَالَ الْحَسَنُ فِي تَفْسِيرِهَا: لا يَجْهَلُونَ عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ جَهِلَ عليهم حلموا. وَهَذِهِ الآيَةُ مُحْكَمَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِلْكُفَّارِ، لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ غَيْرُ السَّلامِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ السَّلامَ الَّذِي هُوَ التَّحِيَّةُ، وإنما المراد بالسلام التسلّم، أَيْ: تَسَلُّمًا مِنْكُمْ وَمُتَارَكَةً لَكُمْ، كَمَا يَقُولُ: بَرَاءَةٌ مِنْكَ أَيْ: لا أَلْتَبِسُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِكَ ثُمَّ نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ.
وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ اسْمَ الْجَاهِلِ يَعُمُّ الْمُشْرِكَ وَغَيْرَهُ، فَإِذَا خَاطَبَهُمْ مُشْرِكٌ، قَالُوا: السَّدَادَ وَالصَّوَابَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ. وَحُسْنُ الْمُحَاوَرَةِ فِي الْخَطَّابِ لا يُنَافِي الْقِتَالَ. فَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقّ} - إِلَى قَوْلِهِ - {إِلاّ مَنْ تَابَ}.

لِلْعُلَمَاءِ فِيهَا قَوْلانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَلِهَؤُلاءِ فِي نَاسِخِهَا ثَلاثَةُ أقوال:
أحدها: أَنَّهُ قَوْلُهُ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً}، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالأَكْثَرُونَ عَلَى خِلافِهِ فِي أن القتل لا يُوجِبُ الْخُلُودَ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ، مَنْ قَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ: {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ} الآيَاتِ نَسَخَهَا قَوْلُهُ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} فَمَعْنَاهُ نَزَلَ بِنُسْخَتِهَا. وَالآيَتَانِ وَاحِدٌ، لِأَنَّ هَذَا لا يَقَعُ فِيهِ نَاسِخٌ وَلا مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ خَبَرٌ.
وَالثَّانِي: قَوْلُهُ {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}. الآيَةَ وَهَذَا لا يَصِحُّ، لِأَنَّ الشِّرْكَ لا يُغْفَرُ إِذَا مَاتَ الْمُشْرِكُ عَلَيْهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ نُسِخَتْ بِالاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ: {إِلاّ مَنْ تَابَ} وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ الاسْتِثْنَاءَ لَيْسَ بِنَسْخٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ، وَالْخُلُودُ إِنَّمَا كَانَ لِانْضِمَامِ الشِّرْكِ إلى القتل والزنا.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ.

. قَوْلُهُ تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ}.

أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابن أيوب، قل: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أبو داود السجستاني، قال: بنا أحمد بن محمد، قال: بنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ، وَاسْتُثْنِيَ، فَقَالَ: {إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً}.
قُلْتُ: وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ لَيْسَ بِنَسْخٍ، وَلا يُعَوَّلُ عَلَى هَذَا، وَإِنَّمَا هَذِهِ الأَلْفَاظُ مِنْ تَغْيِيرِ الرُّوَاةِ وَإِلا فَقَدْ أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بن أبي داود، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أبو صالح، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عن علي بن أيي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: {إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فَهَذَا هُوَ اللَّفْظُ الصَّحِيحُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَإِنَّ هَذَا هُوَ اسْتِثْنَاءٌ لا نَسْخٌ وَإِنَّمَا الرُّوَاةُ تَنْقِلُ، بِمَا تظنه المعنى فيخطئون.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النسخ في سورة النَّمْلِ:

. قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ}.

رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَكَذَلِكَ قَالَ قَتَادَةُ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى جِنْسِ هَذَا وَبَيَّنَّا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ:

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}.

اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بِاللَّغْوِ هَاهُنَا، فَقَالَ: مُجَاهِدٌ: هُوَ الأَذَى وَالسَّبُّ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الشِّرْكُ. فَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ ادِّعَاءُ النَّسْخِ. وَقَوْلُهُ: {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ لَنَا حِلْمُنَا وَلَكُمْ سَفَهُكُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَنَا دِينُنَا وَلَكُمْ دِينُكُمْ، وَقَوْلُهُ: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ} قَالَ الزَّجَّاجُ: لَمْ يُرِيدُوا التَّحِيَّةَ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْمُتَارَكَةُ وَهَذَا قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ الْمُسْلِمُونَ بِالْقِتَالِ وَقَوْلُهُ: {لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} أي: لا نَطْلُبُ مُجَاوَرَتَهُمْ قَالَ الأَكْثَرُونَ: فَنُسِخَتْ هَذِهِ الآيَةُ، بِآيَةِ السَّيْفِ.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ:

.ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.

اختلفوا فيها على قولين:
أحدهما: أَنَّهَا نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ {وَهُمْ صَاغِرُونَ} قَالهَ قَتَادَةُ وَابْنُ السَّائِبِ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا أَبِي، وَأَبْنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا محمد بن إسماعيل، قال: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ، قال: بنا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبْنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قال: بنا أحمد بن محمد، قال: بنا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ هَمَّامٍ كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ} ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} فَلا مُجَادَلَةَ أَشَدُّ مِنَ السَّيْفِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا ثَابِتَةُ الْحُكْمِ، وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمُ ابْنُ زَيْدٍ.
أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا محمد بن إسماعيل، قال: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا قَيْسٌ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} قَالَ: مَنْ أَدَّى مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ فَلا تَقُلْ لَهُ إِلا حُسْنًا.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وإنما أنا نذير مبين}.

زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَهَذَا لَوْ كَانَ فِي قَوْلِهِ وَمَا {أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ} احْتَمَلَ، فَأَمَّا هَاهُنَا فَلا. لِأَنَّ هَذِهِ الآيَةَ أَثْبَتَتْ أَنَّهُ نَذِيرٌ، وهو نَذِيرٌ، وَيُؤَيِّدُ إِحْكَامَهَا، أَنَّهَا خَبَرٌ.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الرُّومِ:

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}.
زَعَمَ السُّدِّيُّ: أَنَّهَا نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ لَهُ أَنْ لَوْ كَانَ الأَمْرُ بِالصَّبْرِ عَنْ قِتَالِهِمْ فَأَمَّا إِذَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ صَبْرًا عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ أَوْ عَمَّا نُهِيَ عنه لم يتصور نسخ.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ لُقْمَانَ:

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ}.
ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نُسِخَ مَعْنَاهَا لا لَفْظُهَا بِآيَةِ السَّيْفِ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَضَمَّنَتِ التَّسْلِيَةَ لَهُ عَنِ الْحُزْنِ، وَذَلِكَ لا يُنَافِي القتال.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الأَحْزَابِ:

.ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ}.

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ، مَعْنَاهُ: لا تُجَازِهِمْ عَلَيْهِ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فِي كِفَايَةِ شَرِّهِمْ قَالُوا وَنُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنّ}.

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ لِمَنْ هَذِهِ الْمُتْعَةُ، فَقَالَ الأَكْثَرُونَ: هِيَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْبَقَرَةِ: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} وَهَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ لِلْعُلَمَاءِ فِيهَا قَوْلانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا واجبة للمطلقة التي لم يسم لَهَا مَهْرًا إِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَعَلَى هَذَا الآيَةُ مُحْكَمَةٌ، وَقَالَ قَوْمٌ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ بِهَذِهِ الآيَةِ ثُمَّ نُسِخَتْ بقوله: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حنبل، قال: بنا أبي، قال: بنا محمد بن سواء.
قال: بنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، في هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنّ} قَالا: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَلَهَا الْمَتَاعُ.
قَالَ أَحْمَدُ: وبنا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} فَصَارَ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلا مَتَاعَ لَهَا. قَالَ سَعِيدٌ: وَكَانَ قتادة يأخذ بهذا.
قال أحمد: وبنا حُسَيْنٌ عَنْ شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنّ} الآية قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ثُمَّ نَسَخَ هَذَا الْحَرْفُ الْمُتْعَةَ {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ}.

اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِيهَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
أحدهما: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَك} وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَالضَّحَّاكِ.
أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي داود، قال: بنا عِمْرَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: بنا أبو عاصم قال: ابنا بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ مَا شاء».
قال أبو سلمان الدِّمَشْقِيُّ: يَعْنِي نِسَاءَ جَمِيعِ الْقَبَائِلِ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ وَغَيْرِ الْمُهَاجِرَاتِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ، ثُمَّ فِيهَا قولان:
أحدهما: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثَابَ نِسَاءَهُ حِينَ اخْتَرْنَهُ بِأَنْ قَصَرَهُ، عَلَيْهِنَّ فَلَمْ يُحِلَّ لَهُ غَيْرَهُنَّ، وَلَمْ يُنْسَخْ هَذَا.
أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ. أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ. بنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قال: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى أَنَّ يُوسُفَ بْنَ السَّفَرِ حَدَّثَهُمْ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} قَالَ حَبَسَهُ اللَّهُ عَلَيْهِنَّ كَمَا حَبَسَهُنَّ عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وبنا إسحاق بن إبراهيم، قال: بنا حجاج، قال: بنا حَمَّادٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ، {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} قال: قَصَرَهُ اللَّهُ عَلَى نِسَائِهِ التِّسْعِ اللاتِي مَاتَ عَنْهُنَّ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ وَالسُّدِّيِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّسَاءِ هَاهُنَا، الْكَافِرَاتُ وَلَمْ يُجِزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِكَافِرَةٍ قَالَهُ: مُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ سَبَأٍ:

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ، الْمَعْنَى: لا تُؤَاخَذُونَ بِجُرْمِنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ مِنَ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ. وَالْمَعْنَى: إِظْهَارُ التَّبَرِّي مِنْهُمْ، قَالُوا: وَهَذَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَلا أَرَى لِنَسْخِهَا وَجْهًا، لِأَنَّ مُؤَاخَذَةَ كُلِّ وَاحِدٍ بِفِعْلِهِ لا يَمْنَعُ مِنْ قِتَالِ الكفار.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ فَاطِرٍ:

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ أَنْتَ إِلاّ نَذِيرٌ}.

قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: نُسِخَ مَعْنَاهَا بِآيَةِ السَّيْفِ. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى جِنْسِهَا وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لا نَسْخَ.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سِورَةِ الصَّافَّاتِ:

.ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ}.

لِلْمُفَسِّرِينَ فِي الْمُرَادِ بِالْحِينِ ثَلاثَةُ أقوال:
أحدها: أَنَّهُ زَمَانُ الأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ.
وَالثَّانِي: مَوْتُهُمْ: قَالَهُ قَتَادَةُ.
وَالثَّالِثُ: الْقِيَامَةُ: قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، وَعَلَى هَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ يَتَطَرَّقُ نَسْخُهَا، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ}

أَيِ: انْظُرْ إِلَيْهِمْ إِذَا نَزَلَ الْعَذَابُ بِهِمْ بِبَدْرٍ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ مَا أَنْكَرُوا، وَكَانُوا يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ تَكْذِيبًا وَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى إِحْكَامِهَا، وَزَعَمَ قَوْمٌ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ: وَهُمَا تَكْرَارُ الأوليين: {وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ، وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ}.

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هَذَا تَكْرَارٌ لِمَا تَقَدَّمَ تَوْكِيدٌ لِوَعْدِهِ بِالْعَذَابِ، وَقَالَ ابن عقيل: الآيتان المتقدمتان عائدتان إِلَى أَذِيَّتِهِمْ لَهُ، وَصَدِّهِمْ لَهُ عَنِ الْعُمْرَةِ. وَالْحِينُ الأَوَّلُ: حِينُ الْفَتْحِ فَالْمَعْنَى: أَبْصِرْهُمْ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ، وَوَقَفُوا بَيْنَ يَدَيْكَ بِالذُّلِّ، وَطَلَبِ الْعَفْوِ، فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ عِزَّكَ وَذُلَّهُمْ عَلَى ضِدِّ مَا كَانَ، يَوْمَ الْقَضَاءِ.
وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي: {وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ} وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَبْصِرْ مَا يَكُونُ مِنْ عَذَابِ الله لهم.
قُلْتُ: وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا لا وَجْهَ لِلنَّسْخِ، وَقَدِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ نَسْخَ الآيَتَيْنِ خُصُوصًا إِذَا قُلْنَا إنها تكرار للأوليين.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ ص:

.ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلاّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ}.

وَمَعْنَى الْكَلامِ: إِنِّي مَا عَلِمْتُ قِصَّةَ آدَمَ: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ} إِلا بِوَحْيٍ وَعَلَى هَذَا الآيَةُ مُحْكَمَةٌ، وَقَدْ زَعَمْ بَعْضُ مَنْ قَلَّ فَهْمُهُ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَقَدْ رَدَدْنَا مِثْلَ هَذِهِ الدَّعْوَى فِي نَظَائِرِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}

زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لا فَهْمَ لَهُ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّهُ وَعِيدٌ بِعِقَابٍ إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِوَقْتِهِ الْمَوْتُ أو القتل والقيامة وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ قِتَالَ الكفار.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الزُّمَرِ:

.ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هَذَا حُكْمُ الآخِرَةِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُحْكَمٌ، وَقَدِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ نَسْخَهَا بِآيَةِ السَّيْفِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحُكْمُ حُكْمُ الدُّنْيَا بِأَنْ أُمِرَ بِقِتَالِهِمْ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثانية: قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}

قَدِ ادَّعَى قَوْمٌ نَسْخَهَا بِقَوْلِهِ: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ من ذنبك وما تأخر} وقد منعنا ذلك في ذكر نظيرتها في الأنعام.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ}.

لَيْسَ هَذَا بِأَمْرٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَهْدِيدٌ، وَهُوَ مُحْكَمٌ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لا فَهْمَ لَهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا، لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ أَمْرٌ، وَهَذَا ظَنٌّ فَاسِدٌ وَخَيَالٌ رَدِيءٌ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ، مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ}.

زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُمَا نُسِخَتَا بِآيَةِ السَّيْفِ، وَإِذَا كَانَ مَعْنَاهُمَا التَّهْدِيدُ وَالْوَعِيدُ، فَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ.

.ذِكْرُ الآيَةِ السَّادِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}

قَدْ زَعَمَ قَوْمٌ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَقَدْ سَبَقَ كَلامُنَا فِي هَذَا الْجِنْسِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ.

.ذِكْرُ الآيَةِ السَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ والأرض عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.

زَعَمَ بَعْضُ نَاقِلِي التَّفْسِيرِ أَنَّ مَعْنَاهُ نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي الدُّنْيَا بِإِظْهَارِ حجج المحقين وَإِبْطَالِ شُبَهِ الْمُلْحِدِينَ وَفِي الآخِرَةِ بِإِدْخَالِ هَؤُلاءِ الْجَنَّةَ، وَهَؤُلاءِ النَّارَ، وهذا لا ينافي قتالهم.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِ:

.قَوْلُهُ تعال: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}.

هَذِهِ الآيَةُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَعَلَى مَا قَرَّرْنَا فِي نَظَائِرِهَا لا نَسْخَ.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ حم السَّجْدَةِ:

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.

وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ.
أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: أَبْنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مهران، قال: بنا عَامِرِ بْنِ الْفُرَاتِ، عَنْ أَسْبَاطٍ عَنِ السُّدِّيِّ، {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} قَالَ: هَذَا قَبْلَ الْقِتَالِ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ هُوَ كَدَفْعِ الْغَضَبِ بِالصَّبْرِ، وَالْإِسَاءَةِ بِالْعَفْوِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ مُعَامَلَةُ الْكُفَّارِ فَلا يُتَوَجَّهُ النَّسْخُ.
أَخْبَرَنَا الْمُحَمَّدَانِ، ابْنُ نَاصِرٍ وَابْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالا: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَصْفَهَانِيُّ، قَالَ: بنا سليمان أبي أحمد، قال: بنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ مُجَاهِدٍ {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} قَالَ: هُوَ السَّلامُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: المصافحة.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ حم عسق:

.ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الآرْضِ}.

زَعَمَ قَوْمٌ مِنْهُمُ ابْنُ مُنَبِّهٍ وَالسُّدِّيُّ، وَمُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}. وَهَذَا قَبِيحٌ، لِأَنَّ الآيَتَيْنِ خَبَرٌ، وَالْخَبَرُ لا يُنْسَخُ، ثُمَّ لَيْسَ بَيْنَ الآيَتَيْنِ تَضَادٌّ؛ لِأَنَّ اسْتِغْفَارَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ اسْتَغْفَارٌ خَاصٌّ لا يَدْخُلُ فِيهِ إِلا مَنِ اتَّبَعَ الطَّرِيقَ المستقيم فلأولئك طلبوا الغفران والإعادة مِنَ النِّيرَانِ وَإِدْخَالَ الْجِنَانِ.
وَاسْتِغْفَارُهُمْ لِمَنْ فِي الأَرْضِ لا يَخْلُوا مِنْ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُرِيدُوا بِهِ الْحِلْمَ عَنْهُمْ وَالرِّزْقَ لَهُمْ، وَالتَّوْفِيقَ لِيَسْلَمُوا، وَإِمَّا أَنْ يُرِيدُوا بِهِ مَنْ فِي الأَرْضِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَكُونُ اللَّفْظُ عَامًّا وَالْمَعْنَى خاصاً، وقد دلت عَلَى تَخْصِيصِ عُمُومِهِ قَوْلُهُ: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} والدليل الموجب لصرفه عَنِ الْعُمُومِ إِلَى الْخُصُوصِ أَنَّ الْكَافِرَ لا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُغْفَرَ له فعلى هذا البيان لا وَجْهَ لِلنَّسْخِ، وَكَذَلِكَ قَالَ قَتَادَةُ {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الآرْضِ} قَالَ: لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ.
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُنَادِي فِي الْكَلامِ مُضْمَرٌ، تَقْدِيرُهُ: لِمَنْ فِي الأَرْضِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَهْبُ بْنُ مُنَبَّهٍ أَرَادَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ عَلَى نَسْخِ تِلْكَ الآيَةِ، لأنه لا فرق بينهما.

.ذ كر الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}.

قَدْ زَعَمَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهَا مُنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ وَقَدْ بَيَّنَّا مَذْهَبَنَا فِي نَظَائِرِهَا وَأَنَّ الْمُرَادَ: أَنَّا لَمْ نُوَكِّلْكَ بِهِمْ فَتُؤْخَذُ بِأَعْمَالِهِمْ فَلا يُتَوَجَّهُ نَسْخٌ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ}.

لِلْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الآيَةِ قَوْلانِ:
أحدهما: أَنَّهَا اقْتَضَتِ الاقْتِصَارَ عَلَى الإِنْذَارِ، وَذَلِكَ قَبْلَ الأَمْرِ بِالْقِتَالِ ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةُ السَّيْفِ فَنَسَخَتْهَا. قَالَهُ الأَكْثَرُونَ وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} مُخَاطَبَةً لِلْيَهُودِ أَيْ لَنَا دِينُنَا وَلَكُمْ دِينُكُمْ، قَالَ: ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} الآيَةَ وَهَكَذَا قَالَ مِجَاهِدٌ.
وَأَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا الحسين بن علي، قال: بنا عَامِرِ بْنِ الْفُرَاتِ عَنْ أَسْبَاطٍ عن السُّدِّيِّ {لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} قَالَ: هَذِهِ قَبْلَ السَّيْفِ، وَقَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْجِزْيَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَاهَا: أَنَّ الْكَلامَ بَعْدَ ظُهُورِ الْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينَ قَدْ سَقَطَ بَيْنَنَا فَلَمْ يَبْقَ إِلا السَّيْفُ فَعَلَى هَذَا هِيَ مُحْكَمَةٌ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَهُوَ الصَّحِيحُ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الرَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ}

هَذَا مُحْكَمٌ. وَقَوْلُهُ {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا}.
للمفسرين فيه قولان:
أحدهما: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، بِقَوْلِهِ: {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ} رَوَاهُ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَبِهِ قَالَ مقاتل.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُحْكَمٌ، لِأَنَّهُ خَبَرٌ قَالَهُ قَتَادَةُ، وَوَجَّهَهُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي نَظِيرِهَا فِي آلِ عِمْرَانَ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا}.

.ذِكْرُ الآيَةِ الْخَامِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}

للمفسرين فيها قولان:
أحدهما: أَنَّ هَذَا الاسْتِثْنَاءَ مِنَ الْجِنْسِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ سَائِلا أَجْرًا، وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ قَالَ: نُسِخَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِقَوْلِهِ: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مُقَاتِلٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الأَوَّلِ، لأن الأنبياء لا يسألون عن تَبْلِيغِهِمْ أَجْرًا، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى: لَكِنِّي أُذَكِّرُكُمُ الْمَوْدَّةَ فِي الْقُرْبَى، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْمَعْنَى جَمَاعَةٌ عَنِ ابن عباس، منهم طاؤس والعوفي.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا بن الْمُذَهَّبِ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ جعفر، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: بنا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ طاؤوس عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمْ يَكْنُ بَطْنٌ من قُرَيْشٍ إِلا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ قَرَابَةٌ، فَنَزَلَتْ: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} إِلا أَنْ تَصِلُوا قَرَابَةَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَلا يُتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا نَسْخٌ أَصْلا.

.ذِكْرُ الآيَةِ السَّادِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}.

اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الآيَةِ، فَذَهَبَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا فِي الْمُشْرِكِينَ إِلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمُ ابْنُ زيد وكأنهم يُشِيرُونَ إِلَى أَنَّهَا أَثْبَتَتِ الِانْتِصَارُ بَعْدَ بَغْيِ الْمُشْرِكِينَ فَلَمَّا جَازَ لَنَا أَنْ نَبْدَأَهُمُ الْقِتَالَ دَلَّ عَلَى نَسْخِهَا. وَلِلْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا فِي المسلمين قَوْلانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ} فَكَأَنَّهَا نَبَّهَتْ عَلَى مَدْحِ الْمُنْتَصِرِ، ثُمَّ أَعْلَمَنَا أَنَّ الصَّبْرَ وَالْغُفْرَانَ أَمْدَحُ، فَبَانَ وَجْهُ النَّسْخِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ لِأَنَّ الصَّبْرَ وَالْغُفْرَانَ فَضِيلَةٌ، وَالانْتِصَارُ مُبَاحٌ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ مُحْكَمَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ.

.ذِكْرُ الآيَةِ السَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}.

زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لا فَهْمَ لَهُ، أَنَّ هَذَا الْكَلامَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} وَلَيْسَ هَذَا بِقَوْلِ مَنْ يَفْهَمُ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، لِأَنَّ مَعْنَى الآيَةِ: أَنَّ مَنْ جَازَى مُسِيئًا فَلْيُجَازِهِ بِمِثْلِ إِسَاءَتِهِ، وَمَنْ عَفَا فَهُوَ أفضل.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّامِنَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}.

زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لا يَفْهَمُ، أَنَّهَا نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الآمُورِ} وَلَيْسَ هَذَا بِكَلامِ مَنْ يَفْهَمُ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، لِأَنَّ الآيَةَ الأُولَى تُثْبِتُ جَوَازَ الانْتِصَارِ، وَهَذِهِ تُثْبِتُ أن الصبر أفضل.

.ذِكْرُ الآيَةِ التَّاسِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاّ الْبَلاغُ}.

زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا مَذْهَبَنَا فِي نَظَائِرِهَا وَأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ:

.ذِكْرُ الآيَةِ الأَولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ}.

زَعَمَ بَعْضُهُمْ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَقَدْ عُرِفَ مَذْهَبُنَا فِي نَظَائِرِهَا وَأَنَّهَا وَارِدَةٌ لِلْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ، فَلا نَسْخَ إِذَنْ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.

يَرْوِي الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نُسِخَ هَذَا بِآيَةِ السَّيْفِ.
وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، وَأَبْنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قال: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ قال بنا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ: فِي قَوْلِهِ: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} قَالَ قَتَادَةُ: نَسَخَتْهَا بَرَاءَةٌ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}. هَذَا مَذْهَبُ قَتَادَةَ وَمُقَاتِلُ بْنُ سليمان.

.باب: ذكر ما ادعي عيه النَّسْخُ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ:

.قَوْلُهُ تعالى: {فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ}.

قَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَلا نَرَى ذَلِكَ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ لا تَنَافِي بَيْنَ الآيَتَيْنِ، وَارْتِقَابِ عَذَابِهِمْ أَمَّا عِنْدَ الْقَتْلِ أَوْ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ فِي الآخِرَةِ وليس في هذا منسوخ.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الْجَاثِيَةِ:

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ}.

جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتِ الأَمْرَ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، وَاخْتَلَفُوا فِي نَاسِخِهَا عَلَى أربعة أقوال:
أحدها: آيَةُ السَّيْفِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونُ وَأَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالا: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: بنا أحمد بن كامل، قال: بنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّه}.
قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرِضُ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا آذَوْهُ، وَكَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وَيُكَذِّبُونَهُ فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً، فَكَانَ هَذَا مِنَ الْمَنْسُوخِ رَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ.
أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّه} وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْقُرْآنِ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ فِيهِ بِالْعَفْوِ عَنِ المشركين فإنه نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وَقَوْلُهُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِر}.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا عبد الرزاق، قال: بنا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ}.
قَالَ: نَسَخَتْهَا {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ نَاسِخَهَا قَوْلُهُ فِي الأَنْفَالِ: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ} وَقَوْلُهُ فِي بَرَاءَةٍ {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ.
أَخْبَرَنَا إسماعيل به أَحْمَدَ قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أحمد، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي قال: بنا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قتادة قال: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ}.
وَالثَّالِثُ: قَوْلُهُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِر}.
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ، قال: بنا أحمد بن محمد، قال بنا ابْنُ رَجَاءٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} ثُمَّ نُسِخَ فَقَالَ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} الآية.
وَالرَّابِعُ: قَوْلُهُ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} قَالَهُ أَبُو صَالِحٍ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ، لِأَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى سَبَبٍ وَهُوَ أَنَّهُمْ نَزَلُوا فِي غَزَاةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ عَلَى بِيرٍ فَأَرْسَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ غُلامَهُ لِيَسْتَقِيَ الْمَاءَ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَتَى، قَالَ مَا حَبَسَكَ؟ قَالَ: غُلامُ عُمَرَ مَا تَرَكَ أَحَدًا يَسْتَقِي حَتَّى مَلَأَ قِرَبَ النَّبِيِّ وَقِرَبَ أَبِي بَكْرٍ وَمَلَأَ لِمَوْلاهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَا مِثْلُنَا وَمِثْلُ هَؤُلاءِ إِلا كَمَا قِيلَ: سَمِنَ كَلْبُكَ يَأْكُلُكَ فبلغ قوله عمر فاشتمل بسيفه يريد التوجه إليه فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. رَوَاهُ عَطَاءٌ عن ابن عباس.